...إِنَّ حَدِيثَنٰا یُحْیِی الْقُلُوبَ...

إن بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير عشرة آلاف عام

تحقيق وتوفيق: اعلم أن ملوك الدنيا لما كان ظهورهم وإجراء أحكامهم على رعيتهم إنما يكون عند صعودهم على كرسي الملك وعروجهم على عرش السلطنة ومنهما تظهر آثارهم وتتبين أسرارهم، والله سبحانه لتقدسه عن المكان لا يوصف بمحل ولا مقر وليس له عرش ولا كرسي يستقر عليهما، بل يطلقان على أشياء من مخلوقاته أو صفاته الكمالية على وجه المناسبة، فالكرسي والعرش يطلقان على معان:
أحدها جسمان عظيمان خلقهما الله تعالى فوق سبع سماوات، وظاهر أكثر الاخبار أن العرش أرفع وأعظم من الكرسي، ويلوح من بعضها العكس، والحكماء يزعمون أن الكرسي هو الفلك الثامن، والعرش هو الفلك التاسع، وظواهر الاخبار تدل على خلاف ذلك من كونهما مربعين ذاتي قوائم وأركان، وربما يؤولان بالجهات والحدود والصفات التي بها استحقا التعظيم والتكريم، ولا حاجة لنا إلى هذه التكلفات، وإنما سميا بالاسمين لبروز أحكامه وتقديراته من عندهما، وإحاطة الكروبيين والمقربين وأرواح النبيين والأوصياء بهما، وعروج من قربه من جنابه إليهما، كما أن أوامر الملوك وأحكامهم وآثار سلطنتهم وعظمتهم تبدو منهما، و تطيف مقربوا جنابهم وخواص ملكهم بهما، وأيضا لما كانا أعظم مخلوقاته الجسمانية وفيهما من الأنوار العجيبة والآثار الغريبة ما ليس في غيرهما من الأجسام فدلالتهما على وجوده وعلمه وقدرته وحكمته سبحانه أكثر من سائر الأجسام، فلذا خصا بهذين الاسمين من بينهما، وحملتهما في الدنيا جماعة من الملائكة كما عرفت، وفي الآخرة إما الملائكة أو أولوا العزم من الأنبياء مع صفوة الأوصياء عليهم السلام كما عرفت، و يمكن أن يكون نسبة الحمل إليهم مجازا لقيام العرش بهم في القيامة وكونهم الحكام عنده والمقر بين لديه.
وثانيها: العلم كما عرفت إطلاقهما في كثير من الاخبار عليه وقد مر الفرق بينهما في خبر معاني الأخبار وغيره، وذلك أيضا لان منشأ ظهوره سبحانه على خلقه العلم والمعرفة، وبه يتجلى على العباد، فكأنه عرشه وكرسيه سبحانه وحملتهما نبينا وأئمتنا عليهم السلام لأنهم خزان علم الله في سمائه وأرضه لا سيما ما يتعلق بمعرفته سبحانه.
وثالثها الملك، وقد مر إطلاقهما عليه في خبر (حنان) والوجه ما مر أيضا.
ورابعها: الجسم المحيط وجميع ما في جوفه أو جميع خلق الله كما ذكره الصدوق – ره – ويستفاد من بعض الأخبار، إذ ما من شئ في الأرض ولا في السماء وما فوقها إلا وهي من آيات وجوده وعلامات قدرته، وآثار وجوده وفيضه وحكمته فجميع المخلوقات عرش عظمته وجلاله، وبها تجلى على العارفين بصفات كماله وهذا أحد المعاني التي خطرت ببالي الفاتر في قولهم عليهم السلام (وارتفع فوق كل منظر) فتدبر.
وخامسها: إطلاق العرش على كل صفة من صفاته الكمالية والجلالية إذ كل منها مستقر لعظمته وجلاله، وبها يظهر لعباده على قدر قابليتهم ومعرفتهم فله عرش العلم، وعرش القدرة، وعرش الرحمانية، وعرش الرحيمية، وعرش الوحدانية، وعرش التنزه كما مر في خبر حنان وغيره. وقد أول لوالده – ره – الخبر الذي ورد في تفسير قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) أن المعنى:
استوى من كل شئ فليس شئ أقرب إليه من شئ، أن المراد بالعرش هنا عرش الرحمانية والظرف حال أي الرب سبحانه حال كونه على عرش الرحمانية استوى من كل شئ، إذ بالنظر إلى الرحيمية التي هي عبارة عن الهدايات والرحمات الخاصة بالمؤمنين أقرب، أو المراد أنه تعالى بسبب صفة الرحمانية حال كونه على عرش الملك والعظمة والجلال استوى نسبته إلى كل شئ، وحينئذ فائدة التقييد بالحال نفي توهم أن هذا الاستواء مما ينقص من عظمته وجلاله شيئا.
وسادسها إطلاق العرش على قلب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وكمل المؤمنين فإن قلوبهم مستقر محبته ومعرفته سبحانه، كما روي أن قَلْبُ الْمُؤْمِنِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وروي أيضا في الحديث القدسي (لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن).
ثم اعلم أن إطلاقهما على بعض المعاني عند التصريح به أو إقامة القرائن عليه لا ينافي وجوب الاذعان بالمعنى الأول الذي هو الظاهر من أكثر الآيات والاخبار، والله المطلع على الاسرار.

قلب مؤمن عرش خدای رحمان است

سند حدیث: بحارالأنوار،ج 55، ص 39
فیسبوک
توئیتر
لینکداین
واتساپ
تلگرام
ایمیل
چاپ
اشتراک
ایمیل برای
guest
0 نظر
بازخوردهای درون متنی
مشاهده همه دیدگاه‌ها
سبد خرید
0
نظری دارید؟ لطفاً آن را ثبت کنید.x